كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



روى قتادة عن وائلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ في أول لَيلَةٍ مِن رَمَضَانَ، وَأُنزِلَت التَّوْرَاةُ لِسِتٍ مَضَيْنَ مِن رَمَضَانَ وَأُنزِلَ الزَّبُورُ لاثْنَتَي عَشْرَةَ مَضَتْ مِن رَمَضَانَ، وَأُنزِلَ الأنجِيلُ لِثَمَانِيَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِن رَمَضَانَ. وَأُنزِلَ القرآن لأَرْبعٍ وَعشرِينَ مِن رَمَضَانَ».
وفي تسميتها مباركة وجهان:
أحدهما: لما ينزل فيها من الرحمة.
الثاني: لما يجاب فيها من الدعاء.
{إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} بالقرآن من النار.
ويحتمل: ثالثًا: منذرين بالرسل من الضلال.
{فِيهَا} في هذه الليلة المباركة.
{يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وفي يفرق أربعة أوجه:
أحدها: يقضى، قاله الضحاك.
الثاني: يكتب، قاله ابن عباس.
الثالث: ينزل، قاله ابن زيد.
الرابع: يخرج، قاله ابن سنان.
وفي تأويل {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أربعة أوجه:
أحدها: الآجال والأرزاق والسعادة والشقاء من السنة إلى السنة، قاله ابن عباس.
الثاني: كل ما يقضى من السنة إلى السنة، إلا الشقاوة والسعادة فإنه في أم الكتاب لا يغير ولا يبدل، قاله ابن عمر.
الثالث: كل ما يقضى من السنة إلى السنة إلا الحياة والموت، قاله مجاهد.
الرابع: بركات عمله من انطلاق الألسن بمدحه، وامتلاء القلوب من هيبته، قاله بعض أصحاب الخواطر.
الحكيم هنا هو المحكم. وليلة القدر باقية ما بقي الدهر، وهي في شهر رمضان في العشر الأواخر منه. ولا وجه لقول من قال إنها رفعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا لقول من جوزها في جميع السنة لأن الخبر والأثر والعيان يدفعه. واختلف في محلها من العشر الأواخر من رمضان على أق أو يل ذكرها في سورة القدر أولى.
قوله عز وجل: {أَمْرًا مِنْ عِندِنَا} فيه قولان:
أحدهما: أن الأمر هو القرآن أنزله الله من عنده، حكاه النقاش.
الثاني: أنه ما قضاه الله في الليلة المباركة من أحوال عباده قاله ابن عيسى.
ويحتمل:
ثالثًا: أنه إرسال محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا.
{إنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مرسلين الرسل للأنذار.
الثاني: منزلين ما قضيناه على العباد.
الثالث: مرسلين رحمة من ربك.
وفي {رَحْمَةً مِّن رِّبِّكَ} هنا وجهان:
أحدهما: أنها نعمة الله ببعثة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنها رأفته بهداية من امن به.
{إِنَّهُ هو السميع} لقولهم {الْعَلِيمُ} بفعلهم.
قوله عز وجل: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} في ارتقب وجهان:
أحدهما: معناه فانتظر يا محمد بهؤلاء يوم تأتي السماء بدخان مبين، قاله قتادة.
الثاني: معناه فاحفظ يا محمد قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين، ولذلك سمي الحافظ رقيبًا، قال الأعشى:
عليّ رقيب له حافظٌ ** فقل في امرىءٍ غِلقٍ مرتهن

وفي قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} ثلاثة أق أو يل:
أحدها: ما أصاب أهل مكة من شدة الجوع حتى صار بينهم وبين السماء كهيئة الدخان لما دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبطائهم عن الإيمان وقصدهم له بالأذى، فقال: «اللَّهُمَّ اكفِنِيهِم بِسَبْعٍ كَسَبْع يُوسُفَ» قاله ابن مسعود. قال أبو عبيدة والدخان الجدب. وقال ابن قتيبة: سمي دخانًا ليبس الأرض منه حتى يرتفع منها الدخان.
الثاني: أنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغيوم، قاله عبد الرحمن بن الأعرج.
الثالث: أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة يأخذ المؤمن منه كالزكمة، وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه، رواه أبو سعيد الخدري مرفوعًا.
قوله عز وجل: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} فيه ثلاثة أق أو يل:
أحدها: أنه الدخان، قاله قتادة.
الثاني: الجوع: قاله النقاش.
الثالث: أنه الثلج وهذا لا وجه له لأن هذا إما أن يكون في الآخرة أو في أهل مكة، ولم تكن مكة من بلاد الثلج غير أنه مقول فحكيناه.
قوله عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} فيه قولان:
أحدهما: أي عائدون إلى نار جهنم.
الثاني: إلى الشرك، قاله ابن مسعود. فلما كشف ذلك عنهم باستسقاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم عادوا إلى تكذيبه.
قوله عز وجل: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} والبطشة الكبرى هي العقوبة الكبرى، وفيها قولان:
أحدهما: القتل بالسيف يوم بدر، قاله ابن مسعود وأُبي بن كعب ومجاهد والضحاك.
الثاني: عذاب جهنم يوم القيامة، قاله ابن عباس والحسن.
ويحتمل:
ثالثًا: أنها قيام الساعة لأنها خاتمة بطشاته في الدنيا.
{إِنَّا مُنتَقِمُونَ} أي من أعدائنا. وفي الفرق بين النقمة والعقوبة ثلاثة أوجه:
أحدها: أن العقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة، والنقمة قد تكون قبلها، قاله ابن عيسى.
الثاني: أن العقوبة قد تكون في المعاصي، والنقمة قد تكون في خلقه لأجله.
الثالث: أن العقوبة ما تقدرت، والانتقام غير مقدر.
قوله عز وجل: {ولقد فَتَنَّا قَوْمَ فِرْعَوْنَ} أي ابتليناهم.
{وَجَاءَهُمْ رسول كَرِيمٌ} وهو موسى بن عمران عليه السلام. وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: كريم على ربه، قاله الفراء.
الثاني: كريم في قومه.
الثالث: كريم الأخلاق بالتجاوز والصفح.
قوله عز وجل: {أَنْ أَدُّواْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أي أرسلوا معي بني إسرائيل ولا تستعبدوهم، قاله مجاهد.
الثاني: أجيبوا عباد الله خيرًا، قاله أبوصالح.
الثالث: أدوا إليَّ يا عباد الله ما وجب عليكم من حقوق الله، وهذا محتمل.
{إِنِّي لَكُمْ رسول أَمِينٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أمين على أن أؤديه لكم فلا أتزيد فيه.
الثاني: أمين على ما أستأديه منكم فلا أخون فيه.
قوله عز وجل: {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: لا تبغوا على الله، قاله قتادة.
الثاني: لا تفتروا على الله، قاله ابن عباس، والفرق بين البغي والافتراء أن البغي بالفعل، والافتراء بالقول.
الثالث: لا تعظموا على الله، قاله ابن جريج.
الرابع: لا تستكبروا على عباد الله، قاله يحيى. والفرق بين التعظيم والاستكبار أن التعظيم تطاو ل المقتدر، والاستكبار ترفع المحتقر.
{إِنِّي ءَاتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} فيه وجهان:
أحدهما: بعذر مبين، قاله قتادة.
الثالث: بحجة بينة، قاله يحيى.
قوله عز وجل: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: لجأت إلى ربي وربكم.
الثاني: استغثت. والفرق بينهما أن الملتجىء مستدفع والمستغيث مستنصر.
قوله: {بَرَبِّي وَرَبِّكُمْ} أي ربي الذي هو ربكم.
{أَن تَرْجُمُونِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بالحجارة، قاله قتادة.
الثاني: أن تقتلوني، قاله السدي.
الثالث: أن تشتموني بأن تقولوا ساحر أوكاهن أوشاعر، قاله أبوصالح.
{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ} أي إن لم تؤمنوا بي وتصدقوا قولي فخلوا سبيلي وكفوا عن أذاي.
قوله عز وجل: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهوا} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: سمتًا، قاله ابن عباس.
الثاني: يابسًا، قاله ابن أبي نجيح.
الثالث: سهلًا، قاله الربيع.
الرابع: طريقًا، قاله كعب والحسن.
الخامس: منفرجًا، قاله مجاهد.
السادس: غرقًا، قاله عكرمة.
السابع: ساكنًا، قاله الكلبي والأخفش وقطرب. قال القطامي:
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلةٌ ** ولا الصدور على الأعجاز تتكل

قال قتادة: لما نجا بنو إسرائيل من البحر وأراد ال فرعون أن يدخلوه خشي نبي الله موسى عليه السلام أن يدركوه فأراد أن يضرب البحر حتى يعود كما كان فقال الله تعالى: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهوا} أي طريقًا يابسًا حتى يدخلوه.
{إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} قال مقاتل: هو النيل، وكان عرضه يومئذٍ فرسخين، قال الضحاك: كان غرقهم بالقلزم وهو بلد بين مصر والحجاز.
فإن قيل فليست هذه الأحوال في البحر من فعل موسى ولا إليه.
قيل يشبه أن يكون الله تعالى قد أعلمه أنه إنْ ضرب البحر بعصاه ثانية تغيرت أحواله، فأمره أن يكف عن ضربه حتى ينفذ الله قضاءه في فرعون وقومه.
وتأويل سهل بن عبد الله {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ} أي اجعل القلب ساكنًا في تدبيري {إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُّغْرَقُونَ} أي إن المخالفين قد غرقوا في التدبير.
قوله عز وجل: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} الجنات البساتين. وفي العيون قولان:
أحدهما: عيون الماء، وهو قول الجمهور.
الثاني: عيون الذهب، قاله ابن جبير.
{وَزُرُوعٍ} قيل إنهم كانوا يزرعون ما بين الجبلين من أول مصر إلى آخِرها، وكانت مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعًا لما دبروه وقدروه من قناطر وجسور.
{وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} فيه ثلاثة أق أو يل:
أحدها: أنها المنابر، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد.
الثاني: المساكن، قاله أبو عمرو والسدي، لمقام أهلها فيها.
الثالث: مجالس الملوك لقيام الناس فيها.
ويحتمل رابعًا: أنه مرابط الخيل لأنها أكرم مذخور لعدة وزينة.
وفي الكريم ثلاثة أوجه:
أحدها: هو الحسن، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: هو المعطي لديه كما يعطي الرجل الكريم صلته، قاله ابن عيسى.
الثالث: أنه كريم لكرم من فيه، قاله ابن بحر.
قوله عز وجل: {وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ} في النعمة هنا أربعة أوجه:
أحدها: نيل مصر، قاله ابن عمر.
الثاني: الفيّوم، قاله ابن لهيعة.
الثالث: أرض مصر لكثرة خيرها، قاله ابن زياد.
الرابع: ما كانوا فيه من السعة والدعة.
وقد يقال نعمة ونِعمة بفتح النون وكسرها، وفي الفرق بينهما وجهان:
أحدهما: أنها بكسر النون في الملك، وبفتحها في البدن والدين؛ قاله النضر بن شميل.
الثاني: أنها بالكسر من المنة وهو الإفضال والعطية، وبالفتح من التنعم وهو سعة العيش والراحة، قاله ابن زياد.
وفي {فاكهين} ثلاثة أوجه:
أحدها: فرحين، قاله السدي.
الثاني: ناعمين، قاله قتادة.
الثالث: أن الفاكه هو المتمتع بأنواع اللذة كما يتمتع الاكل بأنواع الفاكهة، قاله ابن عيسى.
وقرأ يزيد بن القعقاع {فَكِهِينَ} ومعناه معجبين.
قوله عز وجل: {كَذَلِكَ وأورثناها قَوْمًا ءَآخرين} يعني بني إسرائيل ملكهم الله أرض مصر بعد أن كانوا فيها مستعبدين، فصروا لها وارثين لوصو ل ذلك إليهم كوصو ل الميراث.
قوله عز وجل: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِم السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يعني أهل السماء وأهل الأرض، قاله الحسن.
الثاني: أن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحًا؛ قاله مجاهد.
قال أبو يحيى: فعجبت من قوله، فقال أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل؟